في سابقة علمية غير مسبوقة، تمكن فريق من الباحثين الصينيين من تنفيذ تجربة رائدة تمثلت في إطلاق شعاع ليزر من الأرض إلى القمر وقياس المسافة بينهما خلال ساعات النهار، متجاوزين بذلك أحد أعقد التحديات في علم البصريات الفضائية: التداخل الشمسي.
كسر حاجز الضوء: من الليل إلى النهار
التجربة التي نُفذت في 27 أبريل 2025، ضمن برنامج استكشاف القمر، استخدمت تقنيات متقدمة لقياس المدى بالليزر عبر الأشعة تحت الحمراء القريبة. هذه الأشعة تمتاز بقدرتها على اختراق الضجيج البصري الناتج عن أشعة الشمس، والذي كان سابقًا يحول دون إجراء مثل هذه القياسات إلا في الظلام.
تياندو-1: حجر الأساس في التجربة
القمر الصناعي “تياندو-1″، الذي أُطلق في مارس 2024، لعب دورًا محوريًا في نجاح التجربة. صُمم هذا القمر لاختبار تقنيات الاتصالات والملاحة بين الأرض والقمر، ويعمل بالتنسيق مع “تياندو-2” لتشكيل شبكة فضائية متكاملة تدعم المهمات القمرية المستقبلية.
بفضل هذه المنظومة، استطاع العلماء إرسال نبضات ليزرية إلى القمر واستقبالها بدقة عالية، رغم التحديات الضوئية الهائلة التي يفرضها النهار.
التكنولوجيا وراء الإنجاز
النجاح تحقق بفضل نظام ليزري فائق الحساسية، مزود بمرشحات ضوئية متقدمة وأجهزة استقبال دقيقة، إلى جانب برمجيات ذكية لتصفية الإشارات. هذا النظام تمكن من تتبع ارتداد الليزر من سطح القمر على مسافة تجاوزت 130 ألف كيلومتر، في وضح النهار، بدقة غير مسبوقة.
نحو عصر جديد من الملاحة القمرية
هذا التطور يفتح الباب أمام إجراء قياسات مستمرة على مدار الساعة، مما يعزز دقة تتبع المركبات الفضائية والأقمار الصناعية، ويدعم تخطيط المهام القمرية بشكل أكثر كفاءة. كما يُتوقع أن يكون له دور محوري في مشروع محطة أبحاث القمر الدولية (ILRS) المقرر إنشاؤها بحلول عام 2035 بالتعاون بين الصين وروسيا.
انعكاسات استراتيجية في سباق الفضاء
في ظل التنافس العالمي على استكشاف الفضاء، يمثل هذا الإنجاز نقطة تحول تعزز مكانة الصين كقوة علمية وتقنية. فبينما تركز الولايات المتحدة على إعادة الإنسان إلى القمر عبر برنامج “أرتميس”، تسعى الصين إلى بناء بنية تحتية دائمة تشمل محطات مأهولة وروبوتات ذكية.
القدرة على القياس الليزري النهاري تمنح الصين ميزة استراتيجية في إدارة المهمات الفضائية، حيث تتيح مراقبة دقيقة للمركبات في أي وقت، دون التقيد بالظروف الضوئية.
مستقبل الاتصالات والملاحة الفضائية
هذا الإنجاز لا يُعد مجرد تجربة تقنية ناجحة، بل يمثل انطلاقة نحو جيل جديد من استكشاف الفضاء، يعتمد على التكامل بين الليزر عالي الدقة والذكاء الاصطناعي. ومع استمرار العمل على تطوير هذه التقنيات، يبدو أن الصين تمضي بثبات نحو بناء شبكة فضائية متكاملة تمتد من الأرض إلى القمر، وربما إلى ما هو أبعد.