أكد خبراء سياسيون فرنسيون أن لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون مع نظيره الأمريكي دونالدترامب يعكس مرحلة جديدة في التعاطي الغربي مع الأزمة الأوكرانية، خاصة بعد تصريحات ترامب التي وصف فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه “ديكتاتور” وطالب برحيله.
كما شدد ترامب على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار وصفقة لإنهاء الحرب، مؤكداً أن روسيا ترغب في ذلك. هذا التغير في الموقف الأمريكي يثير تساؤلات في العواصم الأوروبية حول مستقبل الدعم الغربي لكييف.
وقال جيروم بيلوتيه، الباحث في معهد مونتاني (Institut Montaigne)، إن ماكرون يواجه تحديًا صعبًا في محاولته التوفيق بين النهج الأوروبي الداعم لأوكرانيا والموقف الأمريكي الجديد الذي يركز على إنهاء الحرب بأي ثمن.
وأضاف بيلوتيه أن تصريحات ترامب بشأن زيلينسكي تؤكد وجود فجوة متزايدة بين واشنطن وبروكسل، ما قد يدفع الأوروبيين إلى البحث عن استراتيجية مستقلة لحماية مصالحهم الأمنية.
من جانبه، قال جان-مارك بلانشار، الخبير في مركز أبحاث العلاقات الدولية (CERI)، إن اللقاء بين ماكرون وترامب قد يشكل بداية لمرحلة تفاوضية جديدة، حيث تحاول باريس إقناع واشنطن بالحفاظ على التزامها تجاه أوكرانيا، ولو بشكل جزئي.
وأشار بلانشار إلى أن دعم ترامب لفكرة وقف إطلاق النار قد يكون مقبولًا لدى بعض الدول الأوروبية، لكن مسألة وحدة الأراضي الأوكرانية تظل نقطة خلاف جوهرية بين الحلفاء الغربيين.
مشروعان متضادان حول أوكرانيا
وتزامن لقاء ماكرون وترامب مع تقديم الولايات المتحدة مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن أوكرانيا، في مواجهة مشروع آخر قدمته كييف بدعم أوروبي.
ويدعو المشروع الأمريكي إلى “نهاية سريعة” للنزاع من دون الإشارة إلى وحدة أراضي أوكرانيا، ما يعكس تحولاً واضحًا في موقف واشنطن.
في المقابل، يشدد المشروع الأوكراني المدعوم من الاتحاد الأوروبي على ضرورة مضاعفة الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب خلال هذا العام، ويطالب بانسحاب القوات الروسية فورًا. وقد حصلت مشاريع قرارات سابقة بهذا الصدد على دعم أكثر من 140 دولة من بين أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193.
رسائل ماكرون إلى ترامب
وفقًا لمصادر دبلوماسية، يحمل ماكرون ثلاث رسائل أساسية من زعماء الاتحاد الأوروبي إلى ترامب
الحفاظ على التحالف عبر الأطلسي:
يؤكد الأوروبيون لترامب أن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وأوروبا يظل ضروريًا لمواجهة التحديات العالمية، وأن أي انسحاب أمريكي من الملف الأوكراني قد يقوض الثقة بالحلفاء الغربيين.
مواصلة الحد الأدنى من الدعم لأوكرانيا:
يدرك الأوروبيون أن ترامب قد يخفض حجم المساعدات لكييف، لكنهم يسعون لإبقائها ضمن مستوى مقبول يمنع انهيار أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا.
تعزيز الدور الأوروبي في حل الأزمة:
قد يعرض ماكرون رؤية أوروبية جديدة تأخذ في الاعتبار مواقف واشنطن الجديدة، مع التركيز على حل دبلوماسي يضمن نوعًا من التوازن بين المصالح الغربية والروسية.
مستقبل الأزمة الأوكرانية
في ظل التقارب المتزايد بين موقف ترامب وروسيا بشأن ضرورة إنهاء الحرب، تواجه أوروبا معضلة جيوسياسية معقدة.
إذا تبنى ترامب موقفًا أكثر براغماتية تجاه موسكو، فقد تجد أوروبا نفسها مضطرة إلى تحمل مسؤولية أمنها بشكل أكبر، وربما البحث عن حلول سياسية بديلة لإنهاء الصراع دون الاعتماد على الدعم الأمريكي التقليدي.
واعتبر الخبراء أن لقاء ماكرون وترامب يبقى محطة مفصلية في تحديد مستقبل العلاقات عبر الأطلسي. وبينما يحاول الرئيس الفرنسي التمسك بالنهج الأوروبي التقليدي الداعم لكييف، يبدو أن ملامح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة قد تدفع الأوروبيين إلى إعادة تقييم سياساتهم الدفاعية والدبلوماسية في مواجهة التحولات العالمية المتسارعة.