تخيل إمكانية نقل الوعي البشري بالكامل إلى جهاز كمبيوتر، حيث يعيش الإنسان رقميًا إلى الأبد بذكرياته ومشاعره وإدراكه الكامل لذاته، ويتمكن من التواصل مع الآخرين عبر الأجيال. رغم أن هذه الفكرة لا تزال في نطاق الخيال العلمي، إلا أنها بدأت تكتسب جوانب واقعية مع التقدم السريع في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
يشير البروفيسور دوبرمير راهنيف، من جامعة جورجيا التقنية، إلى أن مفهوم “تحميل العقل” أصبح يُناقش بشكل جدي في الأوساط العلمية. في هذا العالم الافتراضي، يمكن للإنسان تناول الطعام، قيادة السيارات، وحتى الطيران والتنقل بين الكواكب من خلال محاكاة رقمية متطورة. ورغم أن الفكرة تبدو ممكنة نظريًا، فإن التطبيق الفعلي لا يزال بعيدًا.
يتطلب تحقيق “تحميل العقل” القدرة على مسح الدماغ بالكامل وإنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد دقيقة لكل من 86 مليار خلية عصبية، إلى جانب تريليونات الوصلات العصبية بينها. حتى الآن، تمكن العلماء فقط من رسم خريطة لدماغ ذبابة وبعض أجزاء دماغ فأر، مما يعكس مدى التحدي الهائل الذي يواجههم.
لكن التحدي لا يقتصر على المسح فقط، بل يشمل أيضًا نمذجة سلوك كل خلية عصبية، التي تتغير وظائفها باستمرار. لم يُحدد بعد المستوى المطلوب من التفاصيل لمحاكاة الدماغ بدقة، سواء على المستوى الجزيئي أو ما هو أعمق من ذلك. ويواجه العلماء صعوبة كبيرة في استبدال خلية عصبية واحدة بأخرى اصطناعية.
ومع ذلك، فإن التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة تبقي هذا الحلم حيًا، خاصة مع التمويلات الضخمة التي يقدمها بعض المليارديرات الحالمين بالخلود. رغم أن بعض التقديرات تشير إلى إمكانية تحقيق “تحميل العقل” بحلول عام 2045، يرى العديد من الخبراء أن هذه التوقعات مفرطة في التفاؤل، وأن تحقيق هذه التقنية قد يستغرق قرنين من الزمن.